لو تسمحي لي أختي حنان أن نستمر في النقاش ولنفس الموضوع

فموضوع الفن في الإسلام والجمال وحقيقته موضوع كبير يعيه من يعيه ويجهله من يجهله ومناقشتنا ليست سوى لتقريب وجهات النظر في هذا الموضوع، ولمحاولة توضيح الجوانب الخفية في الجمال.

سنسأل السؤال التالي وهو يخص الفنان بما أنك حصرت مجمل النقاش حوله فنقول: من أين ينبثق العمل الفني في نفس الفنان؟

سأجتهد وأجيب : أن الفنان عموما ينبثق العمل الفني في نفسه من ثلاث وهي الكون والحياة والإنسان كتصور للديانات السماوية في أصولها، ومنها التصور الإسلامي الذي يؤكد على أن يكون هذا التصور تحت ظل الحقيقة الإلهية التي يصدر عنها الوجود كله، فالله سبحانه وتعالى وجه قلوبنا إلى آياته في صفحة الكون، ووجهها إلى قدرته القاهرة التي تحكم كل شيء، وجهها إلى علمه الشامل الدقيق، وجهها إلى أشياء كثيرة لاحصر لها.
ولأن الله سبحانه وتعالى جعل لنا الكون آية كبرى وأبهر عقولنا المتدبرة بقدرته المعجزة في هذا المعرض الكوني المبهر، طغت على البشر العادة التي جعلته يألف مايرى ففسدت روعة التطلع لآية الكون، وتبلدت الحواس لما ترى وتسمع، فأصبحت تمر بكل شيء كأنه لاوجود له، ونست بحكم التعود أن كل شيء حولها أية للقدرة القادرة المبدعة الحالقة التي تبدع كما تريد..
والحياة المغترة في نظر الغافل بنظره لهذا الكون بأنه ميت لظاهر العين، ولم يدرك أن الحقيقة للكون أنه طاقات حية متحركة على الدوام وفي نظام مذهل ورائع وفي دقة متناهية شاملا كاملا للزمن والمخلوقات ...
والإنسان هو من يكون واعياً أو غافلاً بكل المقاييس او أصبحت نظرته سطحية ولم يعي بحكم التعود أن الله (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) وأن ( ومن اياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) فاصبحت العادة تسير حياته دون تمعن ولاتفكير حتى في أبس عاداته اليومية (فلينظر الإنسان غلى طعامه. أننا صببنا الماء صبا، ثم شققنا الأرض شقا، فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم) الآية

لن أطيل في هذا المجال لأني لست القادر عليه، لكني أجزم أن هذه هي المفاتيح لمعرفة الجمال على حقيقته، فهذا هو موقف التصور الإسلامي من الكون والحياة والإنسان. فالكون هو في التصور الإسلامي شيء جميل، حي متحرك، والجمال جزء من بنية الكون أصيل.
والأرض التي يعيش عليها الإنسان قد جعلها الله معاونة له على الحياة، مهيأة بكل ماتتطلبه هذه الحياة من مطالب، والسماء والأرض تتعاونان بكل ماتشتملان عليه من طاقات وكائنات في تهيئة الحياة للإنسان، وتسير مهمته في الخلافة على الأرض.
والحياة هي معجزة الخلق الكبرى جميلة بكل صورها وأشكالها.. والقرآن يوجه القلب إليها، ويعقد صلة القربى بين الإنسان وغيره من الأحياء في هذا الوجود: النبات والحيوان والطير....فالجمال عنصر أصيل في بنية الكون والأحياء وعنصر مطلوب ليستمتع به الناس وموهبة يذكّر الله بها الناس ليشكروه ويعبدوه.
ومن هذا المنطلق يصبح الثعبان جميلا والعقرب جميلا ومخلوقات الله كلها جميلة ومعجزة، وشر ماخلق لم يقصد به فقط الثعبان والعقرب بل كل ضار حتى لو كان الإنسان نفسه ولهذا جعل لنا الله الحدود والقصاص.
ولو أننا كما اليوم ننظر لكل شيء سطحيا بحكم العادة لأبدنا كل قبيح ان صح التعبير من وجهة نظرنا القاصرة فلم نبقي ولانذر، والتجارب في العالم علمتنا كيف أن محاربة بعض الكائنات كان لها مردود عكسي على الحياة والكون والإنسان فالصين قتلت العصافير لمضرتها للمحاصيل الزراعية ولكنها اكتشفت أن المحاصيل بدأت تتناقص أكثر والسبب الديدان في الأرض التي كانت العصافير تتغذى عليها، واستراليا جلبت الكلاب الوحشية لتكافح الحيوانات التي تهاجم الماشية والمزارع وبعد هروبها أصبحت الكلاب هي التي تهاجم الماشية وتقتل صغارها لتتغذى........ وهكذا
والأمثلة كثيرة ولكني سأكتفي اليوم بهذا القدر ولي عودة للتحدث عن الجمال والفن في التصور الإسلامي ان شاء الله

رايح أتعشى بعد إذنكم

تحياتي